آداب الطعام والشراب في الإسلام – سلوك المسلم على المائدة 🍽️
يُعَدُّ الطعام والشراب من نعم الله العظيمة على عباده، وقد علَّمنا الإسلام آدابًا راقية تحفظ لنا النعمة وتُظهِر شكرنا لله تعالى. إن آداب الطعام والشراب في الإسلام ليست مجرد تعليمات شكلية، بل هي منهج حياة يُربي المسلم على النظافة، والحياء، والاعتدال، وحسن التعامل مع الآخرين على المائدة.
🌿 أولًا: النية وشكر الله على النعمة
يبدأ المسلم طعامه بنية صالحة، فيقصد بذلك التقوّي على طاعة الله، لا مجرد إشباع الجوع. وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ (البقرة: 168). فالأكل عبادة إذا صَحَّت النية، وشُكِرَ المُنعِم سبحانه بعده.
ومن السُّنَّة أن يبدأ المسلم طعامه بـبِسْمِ اللَّهِ، ويختمه بـالْحَمْدُ لِلَّهِ، كما قال النبي ﷺ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ، فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ» (رواه الترمذي).
🍞 ثانيًا: الأكل باليمين ومما يليك
من أهم آداب الطعام في الإسلام أن يأكل المسلم بيمينه، ولا يمد يده إلى ما أمام الآخرين. قال رسول الله ﷺ: «يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» (رواه البخاري ومسلم). فبهذا الأدب البسيط يظهر النظام والاحترام والتهذيب في سلوك المسلم.
كما أن الأكل باليمين هو اتباع لأمر النبي ﷺ وابتعاد عن تشبّه الشيطان، فقد ورد في الحديث: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ» (رواه مسلم).
🥛 ثالثًا: آداب الشراب في الإسلام
كما اهتم الإسلام بآداب الأكل، فقد وضّح لنا أيضًا آداب الشراب، ومنها أن يشرب المسلم وهو جالس، وعلى ثلاث مرات. قال النبي ﷺ: «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدُكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ» (رواه مسلم). وفي رواية أخرى: «اشْرَبُوا عَلَى ثَلَاثٍ، فَإِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ» (رواه ابن ماجه).
ومن السنة أن يشرب المسلم الماء بيده اليمنى، ويسمّي الله قبل الشرب، ويحمده بعد الانتهاء، فيقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحًا أُجَاجًا بِذُنُوبِنَا».
🍽️ رابعًا: التواضع والاقتصاد في الأكل
من أجمل ما يُظهر روح آداب الطعام والشراب في الإسلام أن المسلم لا يُسرف في الأكل، بل يأكل باعتدال. قال النبي ﷺ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» (رواه الترمذي).
فالإسلام يدعو إلى الاعتدال في كل شيء، فلا جوع يُضعف البدن، ولا شبع يُقسِّي القلب. وهكذا يكون المؤمن متوازنًا في طعامه وشرابه كما في سائر حياته.
🌸 خامسًا: احترام النعمة ومشاركة الآخرين
من تمام شكر النعمة أن لا يزدري المسلم طعامًا، فقد قال النبي ﷺ: «مَا عَابَ النَّبِيُّ ﷺ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ» (رواه البخاري). كما يُستحب أن يشارك المسلم غيره طعامه، لما في ذلك من الأجر والمودة، قال ﷺ: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ» (رواه مسلم).
🌺 خاتمة
في النهاية، نُدرك أن آداب الطعام والشراب في الإسلام ليست مجرد أوامر، بل هي تربية للنفس على الشكر والاعتدال والنظافة وحسن المعاملة. فالمسلم يأكل ويشرب كما أراد الله، شاكرًا لنعمه، متبعًا لهدي نبيه ﷺ، ومتحليًا بالأخلاق الرفيعة التي تُظهِر جمال هذا الدين في كل تفاصيل الحياة اليومية.